صفحة الماء النقية
على صفحة ماء البحيرة نظر الصبي إلى وجهه فتبسم: هذا أنا، فغيّر الجهة التي رأى نفسه منها،
ونظر أخرى فابتسم، هذا أنا، تحركت صفحة الماء بموجة فتغيرت صورته، ثم ابتسم أخرى وقال:
هذا أنا أيضا.
يعود للبحيرة ركودها، ويعود الصبي يتأمل صورته، ثم يبعث تساؤلات عدة: أليس في هذا الوجود
صديق صادق كصفحة الماء نقية صافية؟!
إنها لا تكذبني وتريني الحسن من صورتي والضد، بالرغم مما قد يعتريها من حركة لأمواجها
فسرعان ما تعود لصفائها ونقائها وطهرها؛ لتبعث الهدوء والسكينة في نفس متأملها، فتراها تعكس
صورة الأغصان المتدلية، وتلك الأزاهير الجميلة، ولون السماء الصافية، ومداعبات النحل والفراش
لوجهها، ومحاولات النمل الجادة في التعبير عن حريته التي منحها الخالق له في كسب رزقه
والترحال عبرها على تلك الأغصان والوريقات المتساقطة، حتى إطلالة القمر البهية في ظلمة الليل
البهيم تبدو في تلك البحيرة كأبهى منظر تراه عيناك، لتدب في أوصالك رعدة تعقبها قشعريرة في
بدنك، لينطق لسانك وقلبك وكل خلية في جسدك: سبحان الله، سبحان الذي أبدع هذا الكون.
فهذا الجمال في صفحة الماء النقية أشبه ما يكون ببعض صفات المؤمن، الصدق والصفاء والوضوح
والهدوء والرقة والنفع والجمال والثبات، رغم المتغيرات والقلة والكثرة والمعكرات التي قد تعتري
البحيرة وتثير الطين وتحجب الرؤيا؛ لكنها تعود سريعاً وبهدوء إلى ترسيب تلك العوائق، لتعود إلى
صفائها وجمالها الأخاذ، وتعلن في كل مرة قدرتها على امتصاص تلك الصدمات والمثبطات؛ ليعود
الجمال إلى وجهها بابتسامة هادئة، تبعث على الطمأنينة بأن هناك من يعطيك النصيحة بلا مقابل،
ويثبتك في طريقك، وكأنها رسائل لك.. فتأملها واغنمها..!